كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم ملك بعده آخر، وأخذ الناس بعبادة الأصنام، وقتل من النصارى خلقًا كثيرًا.
ثم ملك بعده ابنه، وفي زمانه قتل اليهود ببيت المقدس قتلًا ذريعًا، وخرب بيت المقدس، وهرب اليهود إلى مصر وإلى الشام والجبال والأغوار وتقطعوا في الأرض، وأمر الملك أن لا يسكن بالمدينة يهودي، وأن يقتل اليهود ويستأصلوا، وأن يسكن المدينة اليونانيون، وامتلأت بيت المقدس من اليونانيين، والنصارى ذمة تحت أيديهم، فرأوهم يأتون إلى مزبلة هناك فيصلون فيها، فمنعوهم من ذلك، وبنوا على المزبلة هيكلًا باسم الزهرة، فلم يمكن النصارى بعد ذلك قربان ذلك الموضع.
ثم هلك هذا الملك، وقام بعده آخر، فنصب يهودا أسقفًا على بيت المقدس، قال ابن البطريق: فمن يعقوب أسقف بيت المقدس الأول إلى يهودا أسقفه هذا، كانت الأساقفة الذين على بيت المقدس كلهم مختونين.
ثم ولى بعده آخر، وأثار على النصارى بلاءً شديدًا وحربًا طويلًا، ووقع في أيامه قحط شديد، كاد الناس أن يهلكوا، فسألوا النصارى أن يبتهلوا إلى إلهم، فدعوا وابتهلوا إلى الله، فمطروا وارتفع عنهم القحط والوباء. قال ابن البطريق: وفي زمانه كتب بترك الإسكندرية إلى أسقف بيت المقدس، وبترك أنطاكية، وبترك رومية؛ في كتاب، فصح النصارى وصومهم، وكيف يستخرج من فصح اليهود، فوضعوا فيها كتبًا على ما هي اليوم. قال: وذلك، أن النصارى كانوا بعد صعود المسيح إذا عبدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يومًا ويفطرون كما فعل المسيح، لأنه لما اعتمد بالأردن خرج إلى البرية فأقام بها أربعين يومًا، وكان النصارى إذا أفصح اليهود عيّدوا هم الفصح، فوضع هؤلاء البتاركة حسابًا للفصح ليكون فطرهم يوم الفصح، وكان المسيح يعيد مع اليهود في عيدهم، واستمر على ذلك أصحابه إلى أن ابتدعوا تغيير الصوم، فلم يصوموا عقيب الغطاس، بل نقلوا الصوم إلى وقت لا يكون عيدهم مع اليهود.
ثم مات ذلك الملك وقام بعده آخر، وفي زمنه كان جالينوس، وفي زمنه ظهرت الفرس، وغلبت على بابل وآمد وفارس، وتملك ازدشير ابن بابك في اصطخر، وهو أول ملك ملك على فارس في المدة الثانية.
ثم مات قيصر وقام بعده آخر، ثم آخر، وكان شديدًا على النصارى؛ عذبهم عذابًا عظيمًا، وقتل خلقًا كثيرًا منهم، وقتل كل عالم فيهم، ثم قتل من كان بمصر والإسكندرية من النصارى، وهدم الكنائس، وبنى بالإسكندرية هيكلًا وسماه هيكل الآلهة.
ثم قام بعده قيصر آخر، ثم آخر، وكانت النصارى في زمنه في هدوء وسلامة، وكانت أمه تحب النصارى.
ثم قام بعده آخر، فأثار على النصارى بلاءً عظيمًا، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وأخذ الناس بعبادة الأصنام، وقتل من الأساقفة خلقًا كثيرًا، وقتل بترك أنطاكية، فلما سمع بترك بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي.
ثم هلك، وقام بعده آخر، ثم آخر، وفي أيام هذا ظهر ماني الكذاب وزعم أنه نبي، وكان كثير الحيل والمخاريق، فأخذه بهرام ملك الفرس فشقه نصفين، وأخذ من أتباعه مائتي رجل فغرس رؤسهم في الطين منكسين حتى ماتوا.
ثم قام من بعده فيلبس، فآمن بالمسيح، فوثب عليه بعض قواده فقتله.
ثم قام بعده دانقيوس، ويسمى دقيانوس، فلقى النصارى منه بلاء عظيمًا، وقتل منهم ما لا يحصى، وقتل بترك رومية، وبنى هيكلًا عظيمًا وجعل فيه الأصنام، وأمر أن يسجد لها ويذبح لها، ومن لم يفعل قتل، فقتل خلقًا كثيرًا من النصارى، وصلبوا على الهيكل، واتخذ من أولاد عظماء المدينة سبعة غلمان، فجعلهم خاصته، وقدمهم على جميع من عنده، وكانوا لا يسجدون للأصنام، فأعلم الملك بخبرهم فحبسهم ثم أطلقهم، وخرج إلى مخرج له، فأخذ الفتية كل مالهم فتصدقوا به، ثم خرجوا إلى جبل فيه كهف فاختفوا فيه، وصب الله عليهم النعاس فناموا كالأموات، وأمر الملك أن يبني علهيم باب الكهف ليموتوا، فأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس فكتب فيها أسماءهم وقصتهم مع دقيانوس وصيرها في صندوق من نحاس ودفنه داخل الكهف وسده. ثم مات الملك.
بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح:
ثم قام بعده قيصر آخر، وفي زمنه جعل في أنطاكية بتركا يسمى بولس الشمشاطي، وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت، وكانت النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول، مخلوق مصنوع مربوب، لا يختلف فيه اثنان منهم، فقال بولس هذا- وهو أول من أفسد دين النصارى-: إن سيدنا المسيح خلق من اللاهوت إنسانًا كواحد منا في جوهره، وأن ابتداء الابن من مريم، وأنه اصطفى ليكون مخلصًا للجوهر الأنسي، صحبته النعمة الإلهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمى ابن الله. وقال: إن لله جوهر واحد، وأقنوم واحد.
المجمع الأول:
قال سعيد بن البطريق: وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفًا في مدينة أنطاكية، ونظروا في مقالة بولس، فأوجبوا عليه اللعن، فلعنوه ولعنوا من يقول بقوله، وانصرفوا.
ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعًا من الروم، ولم يكن يترك الإسكندر يظهر خوفًا أن يقتل، فقام بارون بتركًا، فلم يزل يادري الروم حتى بنى بالإسكندرية كنيسة.
ثم قام قياصرة، آخرهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة، فأثارا على النصارى بلاء عظيمًا وعذابًا أليمًا، وشدة تجل عن الوصف من القتل، والعذاب، واستباحة الحريم، والأموال، وقتل ألوف مؤلفة من النصارى، وعذبوا مارجرجس أصناف العذاب ثم قتلوه، وفي زمنهما ضربت عنق بطرس بترك الإسكندرية، وكان له تلميذان، وكان في زمنه أريوس يقول: إن الأب وحده الله الفرد الصمد، والابن مخلوق مصنوع، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن. فقال بطرس لتلميذيه: إن المسيح لعن أريوس، فاحذرا أن تقبلا قوله، فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب، فقلت: يا سيدي، من شق ثوبك؟، فقال لي: أريوس، فاحذروا أن تقبلوه، أو يدخل معكم الكنيسة. وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أحد تلميذيه بتركًا على الإسكندرية فأقام ستة أشهر ومات، ولما جرى على أريوس ماجرى أظهر أنه قد رجع عن مقالته فقبله هذا البترك، وأدخله الكنيسة وجعله قسيسًا.
ثم قام قيصر آخر، فجعل يتطلب النصارى ويقتلهم، حتى صب الله عليه النقمة، فهلك شر هلكة.
ثم قام بعده قيصران:
أحدهما: ملك الشام وأرض الروم وبعض الشرق. والآخر: رومية وما جاورها. وكانا كالسباع الضارية على النصارى، فعلا بهم من القتل والسبى والجلاء مالم يفعله بهم ملك قبله، وملك معهما قسطنطين أبو قسطنطين، وكان دينًا، يبغض الأصنام، محبًا للنصارى، فخرج إلى ناحية الجزيرة والرها، فنزل في قرية من قرى الرها، فرأى امرأة جميلة يقال لها هيلانة، وكانت قد تنصرت على يدي أسقف الرها، وتعلمت قراءة الكتب فخطبها قسطنطين من أبيها فزوجه إياها، فحبلت منه وولدت قسطنطين فتربى بالرها، وتعلم حكمة اليونان، وكان جميل الوجه قليل الشر محبًا للحكمة، وكان عليانوس ملك الروم حينئذ رجلًا فاجرًا شديد البأس، مبغضًا للنصارى جدًا، كثير القتل فيهم، محبًا للنساء، لم يترك للنصارى بنتًا جميلة إلا أفسدها، وكذلك أصحابه، وكان النصارى في جهد جهيد معه، فبلغه خبر قسطنطين وأنه غلام هاد قليل الشر كثير العلم، وأخبره المنجمون والكهنة أنه سيملك ملكًا عظيمًا، فهمّ بقتله، فهرب قسطنطين من الرها، ووصل إلى أبيه فسلم إليه الملك، ثم مات أبوه، وصب الله على عليانوس أنواعًا من البلاء حتى تعجب الناس ماناله، ورحمه أعداؤه مما حل به، فرجع إلى نفسه وقال: لعل هذا بسبب ظلم النصارى، فكتب إلى جميع عماله أن يطلقوا النصارى من الحبوس، وأن يكرموهم ويسألوهم أن يدعوا له في صلواتهم، فوهب الله له العافية ورجع إلى أفضل ما كان عليه من الصحة والقوة، فلما صحّ وقوي رجع إلى شر مما كان عليه، وكتب إلى عماله أن يقتلوا النصارى، ولا يدعوا في مملكته نصرانيًا، ولا يسكنوا له مدينة ولا قرية، فكان القتلى يحملون على العجل ويرمى بهم في البحر.
وأما قيصر الآخر الذي كان معه، فكان شديدًا على النصارى، واستبعد من كان برومية من النصارى، ونهب أموالهم، وقتل رجالهم ونساءهم وصبيانهم.
أول من ابتدع شارة الصليبة: قسطنطين:
فلما سمع أهل رومية بقسطنطين، وأنه مبغض للشر محب للخير، وأن أهل مملكته معه في هدوء وسلامة؛ كتب رؤساءهم إليه يسئلونه أن يخلصهم من عبودية ملكهم، فلما قرأ كتبهم اغتم غمًا شديدًا، وبقي متحيرًا لا يدري كيف يصنع. قال سعيد بن البطريق: فظهر له على ما يزعم النصارى نصف النهار في السماء صليب من كوكب، مكتوبًا حول: بهذا تغلب، فقال لأصحابه: رأيتم ما رأيت؟، قالوا: نعم، فآمن حينئذ بالنصرانية، فتجهز لمحاربة قيصر المذكور، وصنع صليبًا كبيرًا من ذهب وصيره على رأس البند، وخرج بأصحابه، فأعطي النصر على قيصر فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وهرب الملك ومن بقي من أصحابه، فخرج أهل رومية إلى قسطنطين بالإكليل الذهب وبكل أنواع اللهو واللعب، فتلقوه وفرحوا به فرحًا عظيمًا، فلما دخل المدينة أكرم النصارى، وردهم إلى بلادهم بعد النفي والتشريد، وأقام أهل رومية سبعة أيام يعيدون للملك وللصليب، فلما سمع عليانوس جمع جموعه وتجهز للقتال مع قسطنطين، فلما وقعت العين في العين انهزموا وأخذتهم السيوف، وأفلت عليانوس، فلم يزل من قرية إلى قرية حتى وصل إلى بلده، فجمع السحرة والكهنة والعرافين الذين كان يحبهم ويقبل منهم فضرب أعناقهم لئلا يقعوا في يد قسطنطين، وأمر ببناء الكنائس، وأقام في كل بلد من بيت المال الخراج فيما تعمل به أبنية الكنائس، وقام بدين النصرانية حتى ضرب بجرانه في زمانه.
فلما تم له خمس عشر سنة من ملكه حاج النصارى في امر المسيح واضطربوا، فأمر بالمجمع في مدينة (نيقية) وهي التي رتبت فيها المانة بعد هذا المجمع- كما سيأتي- فأراد آريوس أن يدخل معهم فمنعه بترك الإسكندرية، وقال بطرسًا قال لهم إن الله لعن آريوس فلا تقبلوه ولا تدخله الكنيسة، وكان على مدينة أسيوط من عمل مصر أسقف يقول بقول آريوس فلعنه أيضًا وكان بالإسكندرية هيكل عظيم على اسم زحل وكان فيه صنم من نحاس يسمى (ميكائيل)، وكان أهل مصر والإسكندرية في اثني عشر يومًا من شهر هتور وهو تشرين الثاني يعيدون لذلك الصنم عيدًا عظيمًا ويذبحون له الذبائح الكثيرة.
فلما ظهرت النصرانية بالاسكندرية أراد بتركها أن يكسر الصنم ويبطل الذبائح له، فامتنع عليه أهلها، فاحتال عليهم بحيلة، وقال: لو جعلتم هذا العيد لميكائيل ملاك الله لكان أولى.
فإن هذا الصنم لا ينفع ولا يضر فأجابوه إلى ذلك، فكسر الصنع وجعل منه صليبًا وسمى الهيكل كنيسة ميكائيل فلما منع بترك الإسكندرية آريوس من دخول الكنيسة ولعنه خرج آريوس مستديًا عليه ومعه أسقفان فاستغاثوا إلى قسطنطين، وقال آريوس: إنه تعدى علي وأخرجني من الكنيسة ظلمًا، وسأل الملك أن يشخص بترك الاسكندرية بناظره قدام الملك، فوجه قطنطين برسول إلى الإسكندرية فأشخص البترك وجمع بينه وبين آريوس ليناظره، فقال قسطنطين لآريوس اشرح مقالتك قال آريوس: أقول إن الأب كان إذ لم يكن الابن، ثم أنه أحدث الابن فكان كلمة له أنه محدث مخلوق، ثم فوض الأمر إلى ذلك الابن المسمى كلمة، فكان هو خالق السموات والأرض وما بينهما، كما قال ففي إنجيله إن يقول وهب لي سلطانًا على السماء والأرض فكان هو الخالق لهما مما أعطى من ذلك، ثم إن الكلمة تجسدت من مريم العذراء ومن روح القدس فصار ذلك مسبحًا واحدًا، فالمسيح الآن معنيان، كلمة وجسد، إلا أنهما جميعًا مخلوقان.
فأجابه عند ذلك بترك الإسكندرية، وقال: تخبرنا الآن أيما أوجب علينا عندك: عبادة من خلقنا أو عبادة من لم يخلقنا؟، قال أريوس: بل عبادة من خلقنا، فقال له البترك: فإن كان خالقنا الابن كما وصفت، وكان الابن مخلوقًا عبادة الابن المخلوق أوجب من عبادة الأب الذي ليس بخالق، بل تصير عبادة الأب الذي خلق الابن كفرًا وعبادة الابن المخلوق إيمانًا، وذلك من أقبح الأقاويل.